فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن العربي:

قَوْله تَعَالَى: {قَالَ يَأَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}.
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: مَا الْفَائِدَةُ فِي طَلَبِ عَرْشِهَا؟: قِيلَ: فِيهِ أَرْبَعُ فَوَائِدَ: الْفَائِدَةُ الْأُولَى: أَحَبَّ أَنْ يَخْتَبِرَ صِدْقَ الْهُدْهُدِ.
الثَّانِيَةُ: أَرَادَ أَخْذَهُ قَبْلَ أَنْ تُسْلِمَ، فَيَحْرُمَ عَلَيْهِ مَالُهَا.
الثَّالِثَةُ: أَرَادَ أَنْ يَخْتَبِرَ عَقْلَهَا فِي مَعْرِفَتِهَا بِهِ.
الرَّابِعَةُ: أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ دَلِيلًا عَلَى نُبُوَّتِهِ؛ لِأَخْذِهِ مِنْ ثِقَاتِهَا دُونَ جَيْشٍ وَلَا حَرْبٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْغَنِيمَةَ وَهِيَ أَمْوَالُ الْكُفَّارِ لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَإِنَّمَا قَصَدَ بِالْإِرْسَالِ إلَيْهَا إظْهَارَ نُبُوَّتِهِ، وَيَرْجِعُ إلَيْهَا مُلْكُهَا بَعْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى النُّبُوَّةِ بِهِ عِنْدَهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْله تَعَالَى: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إلَيْك طَرْفُك} فِي تَسْمِيَتِهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ لَا تُسَاوِي سَمَاعَهَا، وَلَيْسَ عَلَى الْأَرْضِ مَنْ يَعْلَمُهُ.
وَلَقَدْ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ أَنَا آتِيك بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إلَيْكَ طَرْفُك} قَالَ: كَانَتْ بِالْيَمَنِ، وَسُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالشَّامِ، أَرَادَ مَالِكٌ أَنَّ هَذِهِ مُعْجِزَةٌ؛ لِأَنَّ قَطْعَ الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ بِالْعَرْشِ فِي الْمُدَّةِ الْقَصِيرَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ تُعْدَمَ الْمَسَافَةُ بَيْنَ الشَّامِ وَالْيَمَنِ.
وَإِمَّا أَنْ يُعْدَمَ الْعَرْشُ بِالْيَمَنِ، وَيُوجَدُ بِالشَّامِ، وَالْكُلُّ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ هَيِّنٌ، وَهُوَ عِنْدَنَا غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله: {يَآ أَيُّهَا الْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأَتِيني بِعَرْشِهَا} الآية.
حكى يزيد بن رومان أنه لما عاد رسلها بالهدايا قالت: قد والله عرفت أنه ليس بملك وما لنا به طاقة، ثم بعثت إليه: إني قادمة عليك بملوك قومي ثم أمرت بعرشها فجعلته في سبعة أبيات بعضها في جوف بعض وغلقت عليه الأبواب وشَخَصَت إلى سليمان في اثني عشر ألف قيل من ملوك اليمن، فقال سليمان حين علم قدومها عليه:
{أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} الآية: وفيه وجهان:
أحدهما: مسلمين أي مستسلمين طائعين، قاله ابن عباس.
الثاني: أن يأتوني مسلمين أي بحرمة الإٍسلام ودين الحق، قاله ابن جريج.
فإن قيل: فلم أَمَرَ أنَ أن يؤتى بعرشها قبل أن يأتوا إليه مسلمين؟
قيل عنه في الجواب خمسة أوجه:
أحدها: أنه أراد أن يختبر صدق الهدهد، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه أعجب بصفته حين وصفه الهدهد وخشي أن تسلم فيحرم عليه مالها فأراد أخذه قبل أن يحرم عليه بإسلامها، قاله قتادة.
الثالث: أنه أحب أن يعاليها به وكانت الملوك يعالون بالملك والقدرة، قاله ابن زيد.
الرابع: أنه أراد أن يختبر بذلك عقلها وفطنتها، وهل تعرفه أو تنكره، قاله ابن جبير.
الخامس: أنه أراد أن يجعل ذلك دليلًا على صدق نبوته، لأنها خلفته في دارها وأوثقته في حرزها ثم جاءت إلى سليمان فوجدته قد تقدمها، قاله وهب.
قوله: {قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ} العفريت المارد القوي، قال أبو صالح كأنه جبل وفيه وجهان:
أحدهما: أنه المبالغ في كل شيء مأخوذ من قولهم فلان عفرية نفرية إذا كان مبالغًا في الأمور، قاله الأخفش.
الثاني: أصله العفر وهو الشديد، زيدت فيه التاء فقيل عفريت، قاله ابن قتيبة.
{أَنَاْ ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: من مجلسك وسمي المجلس مقامًا لإقامة صاحبه فيه كما قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} [الدخان: 51].
الثاني: أنه أراد يومًا معروفًا كان عادة سليمان أن يقوم فيه خطيبًا يعظهم، ويأمرهم، وينهاهم، وكان مجيء اليوم تقريبًا.
الثالث: أنه أراد قبل أن تسير عن ملكك إليهم محاربًا.
{وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} لقوي على حمله، وفي الأمين ثلاثة أقاويل:
أحدها: أمين على ما فيه من جوهر ولؤلؤ، قاله الكلبي وابن جرير.
الثاني: أمين ألا آتيك بغيره بدلًا منه، قاله ابن زيد.
الثالث: أمين على فرج المرأة، قاله ابن عباس، وحكى يزيد بن رومان ان اسم العفريت كودي، وحكى ابن أبي طلحة أن اسمه صخر، وحكى السدي أنه آصف بن السيطر بن إبليس، والله أعلم بصحة ذلك.
قوله: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنه ملك أيد الله به سليمان، والعلم الذي من الكتاب هو ما كتب الله لبني آدم، وقد علم الملائكة منه كثيرًا فأذن الله له أن يعلم سليمان بذلك، وأن يأتيه بالعرش الذي طلبه، حكاه ابن بحر.
القول الثاني: أنه بعض جنود سليمان من الجن والإِنس، والعلم الذي عنده من الكتاب هو كتاب سليمان الذي كتبه إلى بلقيس وعلم أن الريح مسخرة لسليمان وأن الملائكة تعينه فتوثق بذلك قبل أن يأتيه بالعرش قبل أن يرتد إليه طرفه.
والقول الثالث: أنه سليمان قال ذلك للعفريت.
والقول الرابع: أنه قول غيره من الإنس، وفيه خمسة أقاويل:
أحدها: أنه مليخا، قاله قتادة.
الثاني: أنه أسطوم، قاله مجاهد.
الثالث: أنه آصف بن برخيا وكان صدّيقًا، قاله ابن رومان.
الرابع: أنه ذو النور بمصر، قاله زهير.
الخامس: أنه الخضر، قاله ابن لهيعة.
و{عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ} هو اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب.
{أَنَاْ ءَاتِيكَ بِهِ} يعني بالعرش.
{قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} فيه ستة أوجه:
أحدها: قبل أن يأتيك أقصى من تنظر إليه، قاله ابن جبير.
الثاني: قبل أن يعود طرفك إلى مد بصرك، قاله ابن عباس، ومجاهد.
الثالث: قبل أن يعود طرفك إلى مجلسك، قاله إدريس.
الرابع: قبل الوقت الذي تنظر وروده فيه من قولهم: أنا ممد الطرف إليك أي منتظر لك، قاله ابن بحر.
الخامس: قبل أن يرجع طرف رجائك خائبًا لأن الرجاء يمد الطرف والإياس يقصر الطرف.
السادس: قبل أن ينقص طرفك بالموت، أخبره أنه سيأتيه قبل موته.
{فَلَمَّا رَءَاهُ مُسْتَقِرًا عِندَهُ} قبل أن يرتد طرفه لأن الذي عنده علم عن الكتاب دعا باسم الله الأعظم وعاد طرف سليمان إليه فإذا العرش بين يديه.
قال عبد الرحمن بن زيد: لم يعلم سليمان ذلك الاسم وقد أُعطي ما أُعطي.
قال السدي: فجزع سليمان وقال: غيري أقدر على ما عند الله مني، ثم استرجع. {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلُ رَبِّي} يعني وصول العرش إليّ قبل أن يرتد إليَّ طرفي.
{لِيَبْلُوَنِّي ءَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} قال زهير: أأشكر على العرش إذ أوتيته في سرعة أم أكفر فلا أشكر إذ رأيت من هو أعلم مني في الدنيا.
قال زهير: ثم عزم الله له على الشكر فقال: {وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرْ لِنَفْسِهِ} لأن الشكر تأدية حق واستدعاء مزيد.
{وَمَن كَفَرَ فِإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ} عن الشكر {كَرِيمٌ} في التفضل، وهذه معجزة لسليمان أجراها الله على يد من اختصه من أوليائه.
وكان العرش باليمن وسليمان بالشام فقيل: ان الله حرك به الأرض حتى صار بين يديه. اهـ.

.قال ابن عطية:

{قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38)}.
القائل سليمان عليه السلام و{الملأ} المنادى جمعه من الإنس والجن، واختلف المتأولون في غرضه في استدعاء {عرشها} فقال قتادة ذكر له بعظم وجودة فأراد أخذه قبل أن يعصمها وقومها الإسلام ويحمي أموالهم، والإسلام على هذا التأويل الدين، وهو قول ابن جريج، وقال ابن زيد استدعاه ليريها القدرة التي هي من عند الله وليغرب عليها، و{مسلمين} في هذا التأويل بمعنى مستسلمين وهو قول ابن عباس وذكره صلة في العبارة لا تأثير لاستسلامهم في غرض سليمان، ويحتمل أن يكون بمعنى الإسلام، وظاهر هذه الآيات أن هذه المقالة من سليمان عليه السلام بعد مجيء هديتها ورده إياها، وقد بعث الهدهد بالكتاب وعلى هذا جمهور المفسرين، وحكى الطبري عن ابن عباس أنه قال هذه المقالة هي ابتداء النظر في صدق الهدهد من كذبه لما قال له {ولها عرش عظيم} [النمل: 23] قال سليمان {أيكم يأتيني بعرشها} ثم وقع في ترتيب القصص تقديم وتأخير.
قال القاضي أبو محمد: والقول الأول أصح وروي أن عرشها كان من ذهب وفضة مرصعًا بالياقوت والجوهر وأنه كان في جوف سبعة أبيات عليه سبعة أغلاق، وقرأ الجمهور {قال عفريت} وقرأ أبو رجاء وعيسى الثقفي {قال عفرية} ورويت عن أبي بكر الصديق، وقرأت فرقة {قال عِفر} بكسر العين، وكل ذلك لغات فيه وهو من الشياطين القوي المارد والتاء في {عفريت} زائدة، وقد قالوا تعفرت الرجل إذا تخلق بخلق الإذاية، قال وهب بن منبه اسم هذا العفريت كودا، وروي عن ابن عباس أنه صخر الجني ومن هذا الاسم قول ذي الرمة: البسيط:
كأنه كوكب في إثر عفرية ** مصوب في سواد الليل منقضب

وقوله: {قبل أن تقوم من مقامك} قال مجاهد وقتادة وابن منبه معناه قبل قيامك من مجلس الحكم، وكان يجلس من الصبح إلى وقت الظهر في كل يوم، وقيل معناه فبل أن تستوي من جلوسك قائمًا، و{قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك}، قال ابن جبير وقتادة قبل أن يصل إليك من يقع طرفك عليه في أبعد ما ترى، وقال مجاهد معناه قبل أن يحتاج إلى التغميض أي مدة ما يمكنك أن تمد بصرك دون تغميض وذلك ارتداد.
قال القاضي أبو محمد: وهذان القولان يقابلان قول من قال إن القيام هو مجلس الحكم، ومن قال إن القيام هو من الجلوس، فيقول في ارتداد الطرف هو أن يطرف أي قبل أن تصلح عينيك وتفتحهما، وذلك أن الثاني تعاطى الأقصر في المدة ولا بد.
وقوله: {لَقوي أمين} معناه قوي على حمله {آمين} على ما فيه، ويروى أن بلقيس لما فصلت من بلدها متوجهة إلى سليمان تركت العرش تحت أقفال وثقاف حصين فلما علم سليمان بانفصالها أراد أن يغرب عليها بأن تجد عرشها عنده ليبين لها أن ملكه لا يضاهى، فاستدعى سوقه فدعا الذي عنده علم من التوراة وهو {الكتاب} المشار إليه باسم الله الأعظم الذي كانت العادة في ذلك الزمن أن لا يدعو به أحد إلا أجيب، فشقت الأرض بذلك العرش حتى نبع بين يدي سليمان عليه السلام وقيل بل جيء به في الهواء. قال مجاهد وكان بين سليمان وبين العرش كما بين الكوفة والحيرة، وحكى الرماني أن العرش حمل من مأرب إلى الشام في قدر رجع البصر.
قال القاضي أبو محمد: وهي مسيرة شهرين للمجدّ، وقول مجاهد: أشهر، وروي أن الجن كانت تخبر سليمان بمناقل سيرها فلما قربت قال: {أيكم يأتيني بعرشها}، واختلف المفسرون في {الذي عنده علم من الكتاب} من هو، فجمهور الناس على أنه رجل صالح من بني إسرائيل اسمه آصف بن برخيا روي أنه صلى ركتين ثم قال يا نبي الله أمدد بصرك فمد بصره نحو اليمن فإذا بالعرش فما رد سليمان بصره إلا وهو عنده، وقال قتادة اسمه بليخا، وقال إبراهيم النخعي هو جبريل عليه السلام، وقال ابن لهيعة هو الخضر وحكى النقاش عن جماعة أنهم سمعوا أنه ضبة بن آد جد بني ضبة من العرب، قالوا وكان رجلًا فاضلًا يخدم سليمان على قطعة من خيله.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قول ضعيف، وقالت فرقة بل هو سليمان عليه السلام والمخاطبة في هذا التأويل للعفريت لما قال هو {أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك}، كأن سليمان عليه السلام استبطأ ذلك فقال له على جهة تحقيره {أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك} واستدل قائل هذا القول بقول سليمان. {هذا من فضل ربي}، واستدل أيضًا بهذا القول مناقضه إذ في كلا الأمرين على سليمان فضل من الله تعالى، وعلى القول الأول المخاطبة لسليمان، ولفظ، {آتيك}، يحتمل أن يكون فعلًا مستقبلًا، ويحتمل أن يكون اسم فاعل، وفي الكلام حذف تقديره فدعا باسم الله فجاء العرش بقدرة الله فلما رآه سليمان مستقرًا عنده جعل يشكر نعمة ربه بعبارة فيا تعليم للناس وفي عرضة للاقتداء بها والاقتباس منها، وقال ابن عباس المعنى {ءاشكر} على السرير وسوقه {أم أكفر} إذ رأيت من هو دوني في الدنيا أعلم مني وظهر العامل في الظرف من قوله: {مستقرًا} وهذا المقدر أبدًا في كل ظرف جاء هنا مظهرًا وليس في كتاب الله تعالى مثله. وباقي الآية بين. اهـ.